مضيق هرمز: هل تتحوّل قبضة النفط إلى فتيل حرب؟

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مضيق هرمز: هل تتحوّل قبضة النفط إلى فتيل حرب؟, اليوم الثلاثاء 24 يونيو 2025 04:14 صباحاً

في قلب الخريطة الجغرافية، بين ساحل ​إيران​ الجنوبي وسلطنة عمان، يضيق البحر حتى يصبح معبراً أشبه بباب قصر كبير تمرّ منه كل خيوط اللعبة الاقتصادية العالمية. ​مضيق هرمز​ ليس بممر مائي عادي، بل هو المدخل الذي يمرّ عبره شريان الطاقة العالمي، وحين تشدّ إيران قبضتها عليه، يختنق جزء كبير من ​الاقتصاد العالمي​، وترتفع حرارة التوتر إلى حدود الانفجار.

تاريخياً، شكّل هذا المضيق مساحة تداخل بين المصالح الاقتصادية والحسابات العسكرية. ضيّق في مساحته، لكنه واسع في تأثيره، حيث تعبر منه يومياً قرابة خمس ​صادرات النفط​ في العالم، ما جعله يتحوّل إلى ورقة تفاوض دائمة في يد طهران، تستخدمها حين تشعر أن الخناق يضيق عليها، سواء بالعقوبات أو بالتهديدات العسكرية.

اليوم، ومع اشتداد الحرب الإسرائيلية على إيران، وعودة لغة الاستفزازات والضربات المتبادلة والهجوم الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية، يقف العالم على حافة هذا المعبر البحري مترقّباً، لأن إغلاقه ليس مجرّد حركة سياسية أو قرار تقني، بل إعلان غير مباشر عن دخول المنطقة في نفق مظلم اقتصاديّاً وعسكريّاً معاً.

إيران لم تُخفِ في العقود الماضية تهديدها المستمر بإمكانية إقفال مضيق هرمز. وفي كل مرة تتصاعد فيها الضغوط عليها، تعود التصريحات لتلوّح بهذا الخيار الاستراتيجي، الذي تعرف طهران تماماً أن مجرد التلويح به يربك العالم، ويؤثر على الأسواق المالية و​أسعار الطاقة​ بشكل فوري، حتى دون تنفيذ فعلي.

لكن السؤال الأعمق، يبقى في قدرة إيران الحقيقية على المضي بهذا القرار. من الناحية التقنية، تمتلك طهران أدوات فعلية لإغلاق المضيق، بدءاً من الانتشار الكثيف لوحدات الحرس الثوري الإيراني على الضفاف المطلة عليه، وصولاً إلى امتلاك صواريخ ساحلية دقيقة، وزوارق سريعة، ومنظومات بحرية تستطيع تعطيل حركة الملاحة أو حتى استهداف السفن العابرة. غير أن القرار لا يرتبط فقط بالقدرات العسكرية، بل بالتقديرات السياسية الدقيقة، لأن خطوة بهذا الحجم تحمل في طيّاتها عواقب كارثية قد لا تقف عند حدود إيران وحدها، بل ستمتد إلى كل شريان مرتبط بالنفط والغاز والاقتصاد في العالم.

إغلاق المضيق يعني باختصار أن تدفع الأسواق النفطية نحو الفوضى، وأسعار الطاقة نحو الانفجار، مع توقف تصدير ملايين البراميل من النفط الخليجي، وتحديداً من السعودية والإمارات والكويت وقطر. ما يجعل التوترات العابرة تتحوّل إلى أزمة عالمية، تطال أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، وتضع دول الخليج نفسها في مواجهة خيار اقتصادي وعسكري صعب.

لكن ما قد يبدو في ظاهره ورقة ضغط قوية بيد طهران، يخفي خلفه إشكالية أعقد. فإيران ليست بمنأى عن هذا المشهد، لأنها تعتمد بدورها على المضيق لتصدير جزء من نفطها وما تبقى من تجارتها في ظل العقوبات، ما يعني أن إغلاقه سيُدخلها أيضاً في مأزق اقتصادي خانق، إضافة إلى احتمال فتح الباب أمام مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة، التي تعتبر ضمان أمن الملاحة في المضيق جزءاً من أمنها القومي، ناهيك عن تضرّر علاقات إيران بدول آسيوية تعتبر من أبرز زبائن نفطها.

على الجانب الآخر، هناك من يرى في هذا الخيار ورقة استراتيجية مؤجلة لدى طهران، تُبقيها حاضرة على الطاولة، لكنها لا تُستخدم إلا إذا وصلت الأمور إلى لحظة اللاعودة، أي حين ترى إيران أن مستقبلها السياسي والعسكري على المحك، خصوصاً في ظلّ التصعيد المتسارع مع إسرائيل، والخشية من توسّع الحرب.

الأيام المقبلة ستكشف ما إذا كان مضيق هرمز سيبقى رهينة في يد طهران، تُلوّح به لرفع سقف التفاوض، أم أن رياح الحرب قد تدفع الجميع، رغماً عنهم، نحو إقفال البوابة البحرية الأهم في العالم، وإشعال فتيل أزمة تتخطى حدود الخليج إلى أبعد نقطة في خارطة النفوذ والصراع الدولي.

أخبار ذات صلة

0 تعليق