خلافات أسرية تتحوّل إلى مسلسلات رقمية على الـ «سوشيال ميديا»

الإمارات اليوم 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خلافات أسرية تتحوّل إلى مسلسلات رقمية على الـ «سوشيال ميديا», اليوم الثلاثاء 27 مايو 2025 01:00 صباحاً

ينشر كثير من الآباء صور ومقاطع فيديو لأطفالهم وأفراد عائلاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لإشراك الآخرين في أسعد لحظات حياتهم، من دون دراية بالمخاطر التي تصاحب نشر محتوى عن الأطفال على الإنترنت.

كما يلجأ أطفال ومراهقون، من الجنسين، لنشر أسرار ومشكلات أسرية خاصة على هذه المواقع، بعضها في قوالب درامية، سواءً في بث مباشر أو على شكل حلقات مسلسلة، من أجل زيادة عدد المتابعين وجذب التعاطف، أو الدعم، وأحياناً للانتقام.

وكشفت جمعية الإمارات لحماية الطفل لـ«الإمارات اليوم» عن رصد حالات لأطفال ومراهقين قاموا بنشر معاناتهم الأسرية وتفاصيل حياتهم الخاصة عبر منصات التواصل الاجتماعي، مؤكدة أنها اتخذت الإجراءات اللازمة بتحويل تلك الحالات إلى الجهات المختصة، عبر اختصاصيي حماية الطفل والجهات المعنية، أو تحويلها، في بعض الحالات، إلى مكتب النائب العام الاتحادي.

وحذّر قانونيون وأطباء ومستشارون أسريون ومتخصصون، من التأثيرات الاجتماعية السلبية لهذه الظاهرة، معتبرين أن نشر المشكلات الأسرية على الفضاء الإلكتروني محفوف بصنوف كثيرة من المخاطر.

وقالوا إن هذه الظاهرة، التي بدأت تنتشر بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة في بعض المجتمعات العربية، لم تعد مقتصرة على الأزواج أو المطلقين، وإنما امتدت إلى المراهقين أيضاً من خلال قيامهم ببث مقاطع فيديو، يكشفون فيها عن أسرار منزلية ومعلومات حول حياتهم الشخصية وما قد يتعرضون له من سوء معاملة من والديهم، أو يظهرون تمرداً على طريقة التربية المتبعة داخل المنزل.

وأكدوا أن المشكلات والصدمات النفسية غير المعالجة في الطفولة لا تزول تلقائياً، وتُعاد صياغتها لاحقاً على شكل بوح غير واعٍ أو حتى فضح عائلي عبر الإنترنت، وقد تكون طريقة لا شعورية للانتقام أو تفريغ الألم الداخلي.

كما حذّروا من اعتبار هذه الظاهرة نوعاً من التنفيس، الذي يخلق ارتياحاً مؤقتاً، لكنه يترك ما يُعرف بـ«أثر ما بعد المكاشفة» وشعور بالندم والاكتئاب.

قصص غير حقيقية

وتفصيلاً، رصدت «الإمارات اليوم» انتشار مقاطع فيديو يبثها أزواج ومطلقون ومراهقون من خارج الدولة، عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، يكشفون فيها عن خلافاتهم العائلية، ويستعرضون أسراراً خاصة، يتم تداولها بشكل واسع النطاق في سلسلة درامية من مقاطع الفيديو والبث الحي، المتبادل بين أطراف الخصومة، ومن تلك النماذج، تطرح بعض الزوجات مشكلة مع زوجها وتطلب آراء المتابعين، أو يعرض مراهق مشكلة مع والديه ويطلب الدعم.

وأكد أستاذ علم الاجتماع، الدكتور أحمد العموش، أن الأصل في الحياة الأسرية، هو الخصوصية، وأنه لا يجوز بأي حال من الأحوال طرح ما يدور داخل الأسرة من خلافات أو مشكلات بين الأزواج أو مع الأبناء أمام الآخرين.

وأضاف أن «وسائل التواصل الاجتماعي، أظهرت السلوكيات السلبية لدى من لا يتورعون عن نشر تفاصيل حياتهم اليومية والشخصية، مضيفاً أن هؤلاء في الغالب فئة تعاني الخلل والتفكك الاجتماعي».

ودعا إلى عدم تصديق كل ما يثار من مشكلات أسرية على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ قد تكون قصصاً غير واقعية، ولا هدف من ورائها إلا الشهرة وجذب المتابعين.

ونبه العموش إلى التأثيرات الاجتماعية السلبية التي قد تسببها هذه المقاطع، على المتابعين، إذ تضفي مشاعر سلبية وتنشر قيماً غير أصيلة، مؤكداً أهمية الحفاظ على الحياة الأسرية وحل المشكلات داخل المنزل، وعدم طرحها أمام الآخرين.

انتهاك صريح

أفاد المحامي علي مصبح بأن هناك من يستغل وسائل التواصل الاجتماعي لتحويل خلافاته الأسرية إلى محتوى يُعرض للعلن، بدلاً من أن يُعالج بخصوصية بين الجدران أو عبر القنوات المختصة.

وقال: «يعتقد البعض بأن مشاركة تجاربه ومشكلاته الشخصية علناً نوع من الحرية الشخصية، لكن متى ما تجاوزت هذه المشاركات حدودها لتفضح أطرافاً أخرى، فإننا نكون أمام انتهاكٍ صريح لحقوق الغير، وتشويه للسمعة، واعتداء على الحياة الخاصة».

وأضاف أن قانون دولة الإمارات كان سبّاقاً في تنظيم المحتوى الرقمي، إذ فرض قيوداً صارمة على أي سلوك يهدد الكرامة الإنسانية أو يعتدي على الخصوصية، حتى لو كان تحت غطاء «الرأي» أو «الحرية الشخصية»، ومن ذلك المرسوم بقانون اتحادي بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية إذ نصّ على أنه يُعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 95 ألف درهم ولا تزيد على 500 ألف درهم، كل من استخدم شبكة معلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات في الاعتداء على خصوصية شخص، وتشمل هذه المادة: نشر صور أو تسجيلات، أو معلومات تتعلق بالحياة الخاصة، دون رضا الطرف المعني، حتى لو كان من أحد أفراد الأسرة، كما نصّ قانون حقوق الطفل (وديمة)، على حظر تعريض الطفل لأي نوع من أنواع الإيذاء أو الإهمال أو الاستغلال، سواء أكان جسدياً أو نفسياً أو عاطفياً أو عبر وسائل الإعلام المختلفة، وعدّ تصوير الطفل أو ذكر اسمه في سياق نزاع عائلي أو فضح أحد والديه اعتداءً على حقه في الخصوصية والكرامة.

وأكّد مصبح أن وسائل التواصل ليست محاكم، ولا ينبغي أن تتحوّل الخصومة الشخصية إلى مسلسل رقمي مفتوح، فالقانون الإماراتي واضح وصارم، ويضع حدوداً فاصلة بين حرية التعبير وبين الفضح، التشهير، والاعتداء على خصوصية الآخرين.

كسب التعاطف

أفاد رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات لحماية الطفل، فيصل الشمري، بأن الخصوصية حق قانوني تحفظه الشريعة الإسلامية وتصونه الضوابط التشريعية، بل إن بعض الدول وضعته حقاً دستورياً، وإن من صلاحيات سلطات إنفاذ القانون معاقبة المسيء، خصوصاً إذا ما ثبت أن ما ينشر يسيء لطفل، ويمكن أن يسبب له أذى مباشراً وفورياً أو مستقبلياً، ولو كان الأذى ظرفياً أو مشروطاً، مشدداً على أن انتهاك خصوصية الطفل والأسرة يُعد إساءة معنوية عاطفية ونفسية تستحق العقاب الرادع لمنع انتشار هذه السلوكيات ووقف مرتكبيها عند حدهم.

وقال إن الإدمان الرقمي واقع نعيشه، وعلى الأسرة أن تدرك أنها خط الدفاع الأول لحماية الطفل من المخاطر المباشرة وغير المباشرة، داعياً إلى التواصل الإيجابي معهم والحد من الاستخدام المفرط للتقنية.

وبيّن أن جمعية الإمارات لحماية الطفل رصدت حالات لأطفال ومراهقين قاموا بنشر معاناتهم الأسرية وتفاصيل حياتهم الخاصة عبر منصات التواصل الاجتماعي، واتخذت الإجراءات اللازمة بتحويلهم إلى الجهات المختصة، أو مكتب النائب العام الاتحادي.

وأوضح أن نشر الأطفال لمعاناتهم أو مشكلاتهم العائلية على وسائل التواصل، يمكن أن يسبب التشهير للأسرة، وفي بعض الحالات يسمح الأطفال لخيالهم الواسع برسم معاناة وهمية، لكسب التعاطف واستقطاب الاهتمام، أو فضح تفاصيل عائلية قد تسيء لهم مستقبلاً ولأسرهم، وقد تدمر العلاقات والروابط الأسرية، وقد توقع الطفل وذويه تحت طائلة المساءلة القانونية.

وقال الشمري: «الوقاية خير من العلاج، وعلى فئات ومؤسسات المجتمع كافة المشاركة لتطوير منظومة عمل مؤسسية تعزز الشراكة المجتمعية، وترسخ مفاهيم وتطبيقات الحوكمة والرقابة والتدقيق»، مؤكداً أن «تطوير الممكنات الرقابية، الداعمة للأسرة لتولي مسؤولياتها في ما يتعلق بالرعاية الوالدية، يتطلب مشاركة الجهات المعنية لتوفير منظومة تقنية داعمة».

وأشار إلى أن الجمعية تنظم العديد من الفعاليات والأنشطة التوعوية الموجهة للأسرة عموماً والوالدين والطفل خصوصاً، إلى جانب البرامج التدريبية الموجهة للتربويين والعاملين في القطاع الطبي والعاملين في قطاع رعاية الطفل وغيرهم، وذلك بالتعاون مع الوزارات والهيئات والجهات المعنية، لافتاً إلى أن الجمعية عقدت شراكات مع شركات الاتصالات الوطنية والشركات التقنية المالكة لبرامج ومنصات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى الشركات المطورة لبرمجيات وأنظمة الحماية، لتعزيز الجانب الوقائي وحجب المحتوى المسيء، بما في ذلك تعليقات المتنمرين أو المحتوى الضار والسلبي.

جمهور مجهول

وأكد استشاري الطب النفسي، الدكتور رياض خضير، أن لجوء المراهقين أو البالغين إلى نشر مشكلاتهم الأسرية عبر الإنترنت، يعود غالباً إلى شعورهم بالعزلة العاطفية، أو الإحساس بأن أصواتهم غير مسموعة داخل الأسرة، فيلجأ أحدهم إلى «جمهور مجهول» بحثاً عن التعاطف أو الدعم، في ظل غياب الاحتواء الحقيقي، وهذه السلوكيات تكون انعكاساً لصدمات نفسية سابقة لم يتم التعامل معها أو علاجها بالشكل المطلوب.

وأضاف أن المشكلات والصدمات النفسية غير المعالجة في الطفولة لا تزول تلقائياً، وتترك بصمات طويلة الأمد، تُعاد صياغتها لاحقاً على شكل بوح غير واعٍ أو حتى فضح عائلي عبر الإنترنت.

واعتبر أن هذه السلوكيات قد تكون طريقة لا شعورية للانتقام، مشيراً إلى أن كثيراً ممن مرّوا بتجارب قاسية في الطفولة يستخدمون الـ«سوشيال ميديا» كمنبر للبوح غير الواعي، ما قد يفاقم شعورهم بالفراغ إن لم يجدوا الدعم الحقيقي.

وحذّر من اعتبار هذه الظاهرة نوعاً من التنفيس الصحي، موضحاً أن التنفيس السليم يتم في إطار آمن، عبر مختصين، بينما قد يتحوّل الأمر عبر الـ«سوشيال ميديا» إلى «تنفيس مرضي»، يفاقم المشاعر السلبية بدلاً من احتوائها، مشدداً على أهمية التمييز بين التعبير بهدف الحل، وبين العرض العلني الذي قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات النفسية.

وقال إن مشاركة تفاصيل الخلافات العائلية على الملأ يمكن أن تؤثر سلباً في الفرد، وتزرع بداخله مشاعر الندم أو الإدانة والإحساس بالانكشاف النفسي، والضعف الداخلي، ما يؤدي إلى «وصمة اجتماعية» وشعور بالعار، وينعكس سلباً على الثقة بالنفس والعلاقات المستقبلية.

كما حذّر خضير من أن رؤية الأطفال لآبائهم وهم يكشفون أسرار الأسرة أمام العامة قد تؤدي إلى انهيار الإحساس بالأمان وفقدان الثقة بأحد الوالدين، وقد يشعر المراهق بالخيانة ويبحث عن انتماءات بديلة خارج نطاق الأسرة، أو تقليد السلوك نفسه في المستقبل.

وحدّد ثمانية سبل وقائية وعلاجية للحد من هذه الظاهرة، تشمل التوعية النفسية داخل المدارس والأسر، وتشجيع الحوار الأسري المفتوح، وإشراك المراهقين في جلسات توجيهية جماعية، وتوفير منصات دعم نفسي رقمية بإشراف مختصين، والجلسات النفسية الفردية أو الجماعية، وبرامج تقوية المهارات الحياتية والمرونة النفسية، وتعزيز ثقافة الخصوصية الرقمية، وتشجيع الآباء على الإصغاء والاحتواء بدلاً من النقد.

تفاقم الخلافات

وقال المستشار الأسري، عيسى المسكري، إن المشكلات الأسرية بطبيعتها أمر وارد وطبيعي في سياق الحياة اليومية، لكن تداولها ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي يمثل خطراً حقيقياً على كيان الأسرة وتماسكها، إذ يحمل أضراراً تمتد من دائرة البيت إلى المجتمع المحيط.

وأضاف أن وسائل التواصل تُخرِج المشكلة عن سياقها الطبيعي، وتضعها في إطار عام مفتوح، ما يصعب السيطرة عليها ويُفقدها الخصوصية، ويؤدي إلى تفاقم الأزمات بدلاً من احتوائها، كما أن ظهور هذه المشكلات علناً قد يسبب شعوراً بالإهانة وانعدام التقدير، إضافة إلى خلق مشكلات في العلاقات الفردية والأسرية، ما يؤدي إلى التفكك وتفاقم الخلافات، إضافة إلى تعرض الأبناء للسخرية والتنمر من أصدقائهم أو زملائهم، ما يؤدي إلى ضغط نفسي وقلق واكتئاب.

وشدّد على أن وسائل التواصل الاجتماعي أداة قوية ووسيلة علمية اجتماعية، لكن استخدامها بحكمة وخصوصية ومسؤولية أمر ضروري للحفاظ على العلاقات الأسرية، وصحة الأفراد النفسية والاجتماعية.

إجبار العالم على الاستماع

قالت أخصائية علم النفس العصبي، كارلا خليل، إن وراء لجوء المراهقين للنشر العلني ما يُعرف بـ«الإشباع الفوري للحاجة النفسية»، كالشعور بالتقدير، أو التعاطف، أو حتى «الانتصار الافتراضي» عند كسب تأييد المتابعين، وبعضهم يعاني ضعفاً في الهوية النفسية، فيبحث عن تأكيد خارجي لما يشعر به داخلياً.

وحذّرت من أن مشاركة التفاصيل الحساسة قد تخلق ارتياحاً مؤقتاً، لكنها تترك ما يُعرف بـ«أثر ما بعد المكاشفة» وشعور متأخر بالندم، والخجل، وأحياناً الاكتئاب، كما يتعرض البعض أيضاً للتنمر، أو الابتزاز الإلكتروني.

وأكدت أن الأطفال الذين لا يجدون من يسمعهم، يبحثون عن جمهور بالغ عندما يكبرون، ومشاركة مشكلاتهم العائلية على الـ«سوشيال ميديا» محاولة غير مباشرة لـ«إجبار العالم على الاستماع».


مشاركة خطرة

 

هناك أضرار عدة قد تنجم عن مشاركة آباء محتوى ما على الإنترنت، خاصاً بأطفالهم، إذا لم يدركوا أن صور الأطفال الجذابة وجلسات التصوير العائلية قد تعرض أفراد عائلاتهم لأكثر من مجرد الإعجابات والتعليقات.

ومن هذه المخاطر:

* التعرض للتنمر.

* إنشاء قراصنة لملفات رقمية عن الأطفال بناءً على المعلومات التي شاركها آباؤهم.

* خطر إعادة استخدام صور الأطفال بطريقة غير مشروعة.

* شعور الأطفال الذين تُوثّق حياتهم بشكل مفرط على الإنترنت بفقدان السيطرة على هويتهم مع تقدمهم في السن.

وصحيح أن هذه الأمور ليست شائعة جداً حالياً، لكننا لا نعرف ما يخبئه المستقبل، أو كيف سيتغير ذلك مع تطوّر تقنيات الذكاء الاصطناعي.

أخبار ذات صلة

0 تعليق