عبدالإله بنكيران وأحمد الشرع، إسلاميان بمواقف متضاربة

أخبارنا 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عبدالإله بنكيران وأحمد الشرع، إسلاميان بمواقف متضاربة, اليوم الاثنين 26 مايو 2025 04:04 صباحاً

إنهما يرضعان من عقيدة واحدة ويستنيران، كما يزعمون، من شرع الله. فأحمد الشرع الذي طرد بشار الأسد ليتولى زمام الحكم في سوريا جاء لينقذ بلاده وليعبر عن وطنيته وأن سوريا بالنسبة له فوق جميع القضايا أيا كانت أهميتها. أما السيد عبد الإله بنكيران فهو على النقيض من ذلك يريد أن يقلب المعادلة بتغليب القضايا الإقليمية أو كما يسميها بقضايا الأمة الإسلامية ولا يضيره الأمر في شيء ولو كان ذلك على حساب الوطن.

 وبالمختصر المفيد فإن أحمد الشرع رجل وطني ولو أنه حديث العهد بالسياسة وأظهر حسا وطنيا من خلال سياسة برغماتية، فيما السيد بنكيران يبدو أنه رجل من طينة أخرى يمتهن الشعبوية في أوضح تجلياتها، يمارس السياسة باسم الدين ويسخر العقيدة لخدمة مخططاته السياسوية التي لا تلتقي مع الانشغالات الوطنية بل يشوش عليها.

وأحكامنا في هذا الصدد لا نطلقها على عواهنها بل نقيم الحجة في ذلك على المواقف التي أظهرها الرجلان في الآونة الأخيرة والتي تعبر بالوضوح عن من هو قلبه وعقله على وطنه ومن هو الذي انشغل وينشغل بأهدافه بابتزاز ومساومة الدولة تحت غطاء الدفاع عن قضايا الغير واتخاذها مطية لدغدغة مشاعر الأبرياء والسدج من عامة الناس. المقارنة بين الرجلين تستند على الوقائع ولا علاقة لها بالتحامل على طرف دون غيره. والأحداث هنا تتحدث عن نفسها.

السيد أحمد الشرع بصفته رئيسا للجمهورية السورية أظهر حرصا شديدا على إنقاذ بلده بإخراجه من العزلة الإقليمية والدولية مبتعدا في ذلك عن الحسابات العقائدية والإقليمية على مستوى العلاقات الخارجية التي لا تجدي بقدر ما هي مضرة. وبالفعل من منطلق حسه الوطني حرص على أن يتواصل مع كل الأطراف التي كانت تقاطع سوريا سواء على مستوى دول المنطقة أو على مستوى دول وازنة ومؤثرة في العلاقات الدولية.

في إطار هذا الانفتاح على الجميع، حظي الرئيس أحمد الشرع باستقبال في قصر الإليزيه من طرف الرئيس الفرنسي "إمانويل ماكرون" وقد شكلت تلك الزيارة حدثا استثنائيا لا نظير له أو قلما نشاهد فيه رجلا بحمولة إسلامية يكون موضع ترحاب في باريس عاصمة الأنوار ورمز الحرية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مفهومه الغربي لقرون خلت. كل ذلك لم يثن السيد أحمد الشرع ولم ينل منه ولو قيد أنملة من عزيمته وإراداته في إتمام تلك الزيارة وتحقيق الأهداف المتوخاة. كما لم تقف قناعاته الدينية حجر عثرة أمام تطلعاته السياسية وتحقيق ما يريده الشعب السوري من مصالحة تاريخية مع العالم الخارجي.

أما السيد عبدالإله بنكيران الذي خبر السياسة من موقع المسؤولية هو وحزبه على مدى عشر سنوات فقد كانت له مواقف أخرى وكان له رأي آخر تجاه الرئيس الفرنسي "إمانويل ماكرون" وهو الحليف الاستراتيجي للمغرب. فالرجل تهجم بكل وقاحة على رئيس دولة ووصفه بأقدح النعوت والصفات، وليس أي رئيس دولة بل هو الرئيس الذي ألقى خطابا أمام ممثلي الشعب المغربي بمقر مجلس النواب. إنه خطاب تاريخي أعلن فيه عن الاعتراف بمغربية الصحراء وبممارسة المغرب لسيادته في حاضرها ومستقبلها. وهذا الاعتراف له وقعه وتأثيره اليوم وفي وقت لاحق على مواقف دول أخرى التي ستتفاعل بشكل إيجابي مع الموقف الفرنسي.

ومن المفارقة بينه وبين الرئيس السوري، وهي أن عبدالإله بنكيران بنى تهجمه على الرئيس الفرنسي على طائلة أن هذا الأخير لم يعلن عن اعترافه بالدولة الفلسطينية وكأن اعتراف "ماكرون" بمغربية الصحراء يظل ناقصا من غير الاعتراف بالكيان الفلسطيني. فيما الرئيس أحمد الشرع لم يربط علاقة سوريا مع فرنسا أو زيارته لباريس بالقضية الفلسطينية ومضى غير ملتفت وراءه في ما قد يعود على سوريا وشعبها بالنفع إيمانا منه أن دمشق أولى من غزة.

فعلى السيد بنكيران أن يتعلم الدرس ويستوعب الرسائل من هذه المواقف المشرقية. فهم دهاة في السياسة على عكس السذاجة والبلادة كما هو حال البعض منا. ولا بأس من التذكير في هذا الصدد أنه بعد مؤتمر مدريد عام 1991 تشكل وفد عربي للتفاوض مع الجانب الإسرائيلي كفريق واحد لتنسيق المواقف، لكن الفلسطينيين الذين لم تكن تعنيهم لا الجولان ولا جنوب لبنان، تركوا الجانب العربي يتفاوض في نيويورك وذهبوا خلسة إلى أوسلو للتفاوض مع إسرائيل في غفلة من الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد.

 هذه هي العقلية السائدة في المشرق العربي عند الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين وهم يفهمون بعضهم البعض، أما نحن فلسنا أمامهم سوى سذجا. وما يبديه اليوم الرئيس أحمد الشرع من مواقف فهي ترجمة لتلك العقلية البرغماتية التي لا يفهمها السيد عبدالإله بنكيران أو أنه يتعامى عنها بعد أن أعمته مصالحه الضيقة.

وكذلك ظهر التباين جليا بين الرجلين. فالرئيس السوري أحمد الشرع تحرر من الأغلال العقائدية وطغت عليه برغماتيته ليسارع إلى وضع يده في يد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتنسيق سعودي وعلى أرض المملكة. ولم تتملك الرجل ولو لحظة واحدة مشاعر الطيش ولا عنتريات الأعراب بأن الرجل الذي استقبله هو صاحب مشروع إخلاء غزة من ميلشيات حماس. السيد أحمد الشرع لم يكلف نفسه الدخول في حسابات خاسرة أمام ما قد حصل عليه من نتائج مبهرة أهمها رفع العقوبات عن سوريا وفك العزلة عنها إقليميا ودوليا. لقد عانت سوريا وحدها ما عانته بسبب ما يسمى بالمواقف القومية وبسبب احتضانها لفصائل فلسطينية كانت أول من حارب الشعب السوري بمؤازرة انفصاليي البوليساريو دفاعا على نظام آل الأسد.

إذن أين هو عبدالإله بنكيران من هذه المواقف التي لا يتردد فيه رجل له نفس القناعات والمرجعيات الدينية. ليس المطلوب من السيد عبد الإله بنكيران أن يتماثل مع هذه المواقف كأمين عام لحزب العدالة والتنمية. فهو ليس في مستوى هذا المطلوب ولا في موقع المسؤولية ولن يتأتى له ذلك. بل المطلوب منه أن يخجل من نفسه وأن يتوقف عن التشويش. فله العبرة في هذا الذي يتقاسم معه العقيدة السيد أحمد الشرع، وله العبرة كذلك في الرئيس التركي الطيب رجب أردوغان الذي له علاقات دبلوماسية مع إسرائيل على مستوى السفارات كما له تأثير كبير في الدفع بسوريا الحالية إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وغدا لناظره قريب، ومنهم السيد بنكيران بعد أن جن جنونه وحمله الهذيان في شوارع الدار البيضاء والرباط ينشد أغنية وقف التطبيع شأنه في ذلك شأن "الكراب" الذي يقرع ناقوسا أخرس ليبيع الماء في السوق لغير العطشان.

حزب العدالة والتنمية مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة النظر في الحسابات التي كانت تخص السيد عبدالإله بنكيران وحده بعد أن أصر على إبعاد خصومه من القيادات الوازنة القادرة على إعادة التوازن والمصداقية للحزب. ولذلك، فإن حسابات بنكيران هي حسابات شخصية هدفها رفع التحدي في وجه الدولة وهي بالتالي لن تكون في صالح الحزب الذي يتطلع إلى أن يكون له حضور قوي في الاستحقاق الانتخابي المقبل. فشعبوية بنكيران لن تفي بالغرض.

 

 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق