الوجه الآخر للبرلمان.. أزمة نخب حقيقية تُحرج الأحزاب وتُعرّي أعطاب التمثيلية السياسية

أخبارنا 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الوجه الآخر للبرلمان.. أزمة نخب حقيقية تُحرج الأحزاب وتُعرّي أعطاب التمثيلية السياسية, اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025 02:24 مساءً

من بين أصعب التحديات التي تواجهنا كصحفيين مهنيين نواكب أشغال مجلس النواب، تبرز أزمة التواصل كإحدى أكثر المعضلات استعصاءً، وهي أزمة لم تعد تخفى حتى على المواطن البسيط المتابع لما يجري داخل قبة البرلمان، حيث تزداد الهوة اتساعًا بين ممثلي الأمة والرأي العام، والسبب المباشر هو عجز فئة واسعة من النواب عن ممارسة أبسط أشكال التعبير عن مواقفهم وآرائهم تجاه القضايا المطروحة للنقاش، سواء في الجلسات العامة أو داخل اللجان، بل حتى في النقاشات الهامشية بعيدا عن الكاميرات.

تبدو الصورة قاتمة حين يُطلب من نائب برلماني أن يدلي بتصريح بسيط حول موضوع ناقشه لتوّه تحت القبة، فأغلبهم يرد بالرفض أو يتملص، لا لحرج في الموقف، ولكن لأنه ببساطة لا يجيد لغة التواصل، ولا يملك من المهارات أو التكوين الذي يسمح له بترجمة تمثيليته إلى فعل تواصلي يعكس رأيه وموقفه من القضايا المطروحة للنقاش، وهي كارثة بكل المقاييس في زمن أصبحت فيه الشفافية والوضوح والانفتاح على الصحافة من أبجديات العمل السياسي.

في كل مرة نضطر فيها كصحفيين للاستعانة بوجوه بعينها داخل المؤسسة التشريعية، لأنهم ببساطة لا يتهربون من الحديث، نشعر أننا نكرر أنفسنا. لكن، هل هذا خطأنا؟ أم أن المنظومة الحزبية مطالبة بأن تعيد النظر في نوعية النخب التي تدفع بها إلى البرلمان؟

الأحزاب السياسية تتحمل مسؤولية مباشرة في هذا الوضع. فقد أضحت الترشيحات الانتخابية في كثير من الحالات رهينة منطق "الشكارة" و"الوجاهة الاجتماعية"، حيث يجد الأعيان وأصحاب المصالح موطئ قدم لهم تحت قبة البرلمان، لا لكفاءاتهم ولا لبرامجهم، بل لقدرتهم على تمويل الحملات الانتخابية وربما تأمين المقاعد بأي ثمن، ولو على حساب جودة التمثيلية.

النتيجة؟ برلمان مليء بوجوه غريبة عن العمل التشريعي، عاجز عن إنتاج رأي عام سياسي، مشلول أمام أسئلة الصحافة، غائب عن معركة الأفكار، وضعيف أمام تعقيدات النقاشات القانونية التي تتطلب إلمامًا معرفيًا وسلوكًا تواصليًا يليق بالمقام.

إذا كانت العملية التشريعية جوهر العمل البرلماني، فإن هذا لا يمكن أن يتم بنخب تجهل تمامًا كيف تمر هذه العملية، ناهيك عن عجزها عن الدفاع عن توجهاتها أو شرح مواقفها للمواطن عبر الصحافة. وهنا، لا يتعلق الأمر فقط بالخطابة أو الطلاقة في الكلام، بل بمنظومة تكوين وتأهيل سياسي وأكاديمي باتت ضرورة ملحة.

لقد آن الأوان للأحزاب أن تعيد الاعتبار للنخبة المؤهلة، نخبة قادرة على التفكير والتعبير، على الإقناع والدفاع، على الارتباط بالمواطن من خلال الصحافة لا التواري عنها. فالشعارات لن تصنع ديمقراطية فاعلة، ولا المال وحده يكفي لصناعة ممثلين للأمة.

إنها دعوة صريحة لإعادة النظر في معايير الترشيح البرلماني. فالإعلام لا يمكن أن يشتغل في فراغ، والمواطن لا يمكن أن يثق في مؤسسة لا يسمع منها إلا الصمت!.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق