نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
دينا الحسيني تكتب: 30 يونيو.. نهاية وهم التمكين, اليوم السبت 21 يونيو 2025 07:08 مساءً
في الثلاثين من يونيو عام 2013، خرجت ملايين المصريين إلى الشوارع في مشهد غير مسبوق، لا احتجاجًا على سياسات يومية أو أزمة اقتصادية عابرة، بل رفضًا شاملًا لمشروع سياسي فكري حاول فرض نفسه بالقوة على دولة لها عمقها التاريخي وخصوصيتها الاجتماعية والثقافية. ما حدث في هذا اليوم لم يكن انتفاضة على رئيس فشل في إدارة الملفات أو جماعة ارتكبت أخطاءً سياسية، بل كان لحظة مواجهة حاسمة مع ما يمكن تسميته بـ «وهم التمكين»، الذي عاشته جماعة الإخوان لسنوات طويلة، واعتقدت أن لحظة الاستحواذ الكامل قد حانت.
لم يكن مفهوم «التمكين» مجرد شعار داخلي في أدبيات الجماعة، بل كان هدفًا استراتيجيًا تم التمهيد له عبر عقود من العمل التنظيمي السري، وصولًا إلى اقتحام المجال السياسي العلني بعد ثورة يناير. كانت الجماعة ترى نفسها ليس كفاعل سياسي بين فاعلين، بل كوصي على الدولة والمجتمع، وكقوة «مقدسة» يحق لها أن تُعيد تشكيل الدولة على صورتها العقائدية والتنظيمية. ولهذا، بمجرد وصولها إلى الحكم، بدأت خطوات عملية لإعادة هيكلة المؤسسات من الداخل: تعيينات تنظيمية في مفاصل الإدارة، سيطرة على الإعلام الرسمي، صدام مع القضاء، محاولات تطويع الأزهر، واستبدال الهوية الوطنية بخطاب عقائدي قائم على الاستعلاء الأخلاقي والديني.
لكن ما لم تدركه الجماعة، أن الدولة المصرية ليست كيانًا هشًا يمكن اختراقه بسهولة، وأن الشعب الذي ثار من أجل الحرية لا يمكن أن يُعاد تأطيره في مشروع شمولي مغلق. خلال عام واحد فقط، تفكك الخطاب الإخواني أمام الواقع، وبدأ المصريون يشعرون بالخطر الحقيقي: ليس فقط على حاضرهم، بل على هوية الدولة نفسها، وعلى ما تبقى من حلم التغيير الذي انطلق في يناير. بدأ الغضب يتراكم في البيوت، والمكاتب، والجامعات، والمقاهي، حتى تحوّل إلى كتلة جماهيرية هائلة، نزلت إلى الميادين لا للمطالبة بإصلاح، بل بإنهاء مشروع كامل.
في تلك اللحظة الفاصلة، لم يعد الصراع بين رئيس ومعارضة، ولا بين سلطة ومعسكر سياسي، بل أصبح بين دولة تُختطف وتنظيم يسعى إلى السيطرة الكاملة. تحرك الشارع بقوة، ووجد ظهيرًا من مؤسسات وطنية أدركت أن انحيازها إلى الشعب لم يكن خيارًا سياسيًا، بل ضرورة وجودية. لم يكن الجيش طرفًا في صراع سياسي، بل كان أمام مسؤولية أخلاقية وتاريخية لمنع انهيار الدولة، وهو ما حدث بالفعل في 3 يوليو، حين تم الإعلان عن خارطة طريق جديدة أعادت ضبط المسار، وأوقفت الانزلاق إلى النموذج الذي شهدته دول أخرى في الإقليم.
منذ 30 يونيو وحتى اليوم، لم تنجح جماعة الإخوان، رغم كل أشكال الدعم الخارجي والتمويل والإسناد الإعلامي، في استعادة مشروعها أو إعادة تسويقه. فقد أصبح الشارع المصري، بل والعربي عمومًا، أكثر وعيًا بحدود التنظيمات ومخاطر الأيديولوجيا حين تحاول أن تحل محل الدولة. اختفت فكرة «التمكين» من الخطاب الإقليمي، وتحولت الجماعة من مشروع سلطة إلى ورقة ضغط تستخدمها أطراف إقليمية، بينما استعادت الدولة المصرية دورها كفاعل مؤثر في مواجهة تمدد الميليشيات والنماذج اللادولتية.
منذ تلك اللحظة، دخلت الجماعة مرحلة انكماش حاد، لم تفقد فيها السلطة فقط، بل فقدت ما هو أعمق: صدقيتها السياسية، وتعاطف الشارع، وقدرتها على التأثير في المجال العام. تفككت داخليًا، وتشظت إلى جبهات متصارعة، وخرجت تدريجيًا من معادلة الفعل السياسي الحقيقي، لتتحول إلى كيان هامشي فاقد للفاعلية في الداخل.
لقد كانت نهاية وهم التمكين لا في الميدان فقط، بل في وعي المصريين أنفسهم، الذين أدركوا أن الجماعة لم تكن تسعى لحكم الوطن، بل لاستبداله بمشروع تنظيمي مغلق، لا يعترف بالتعدد، ولا يؤمن بالمواطنة. ولهذا، لم تكن 30 يونيو مجرد محطة في مسار سياسي، بل لحظة مفصلية في مصير مشروع فكري أراد فرض نفسه على دولة عصيّة على المصادرة والاحتواء.
واليوم، وبعد مرور اثني عشر عامًا على تلك اللحظة الحاسمة، تبدو مصر أكثر وعيًا بتجربتها، وأكثر تمسكًا بدولتها، وأكثر مناعة في وجه أي محاولة جديدة لاختراقها تحت لافتة دينية أو شعارات زائفة. انتهى زمن الوصاية، وسقطت آخر أوراق مشروع التمكين. وبقيت الدولة، أقوى من كل محاولات اختطافها.
0 تعليق