نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
طموح الصين في السماء معلق بأجنحة أميركية, اليوم الجمعة 9 مايو 2025 01:48 مساءً
لطالما حلمت الصين بالتحرر من هيمنة بوينغ وإيرباص على سوق الطائرات، وأن تحجز لنفسها مقعداً دائماً في سماء صناعة الطيران التجاري، حيث عملت ولسنوات على تطوير طائرة كوماك C919، التي تعد أول طائرة ركاب صينية الصنع.
وعندما أقلعت كوماك C919 في أولى رحلاتها التجارية عام 2023، بدا وكأن بكين نجحت في كسر هيمنة بوينغ وإيرباص، واضعةً قدمها بثبات على طريق بناء صناعة طيران محلية تدعم طموحاتها في التوسع الاقتصادي على المدى البعيد.
ولكن يبدو أن طموح الصين في التحليق بصناعة الطائرات المدنية بعيداً عن أميركا وأوروبا، يصطدم اليوم بواقع مُعقد، فمع تصاعد التوترات التجارية بين واشنطن وبكين، تواجه طائرة C919 عاصفة من القيود التي قد تعيق حركة إقلاعها وهبوطها، حيث تبين أن هذا المشروع الصيني الطموح، لا يزال معلّقاً بخيوط موردين أميركيين، يملكون مفاتيح تقنياته الحيوية، وبالتالي فإن استمرار تصنيع طائرات كوماك C919 وتحليقها جواً بأمان مرتبط بالحصول على مكونات أميركية أساسية.
صينية التجميع أميركية المكونات
وبحسب تقرير أعدته "فايننشال تايمز" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإن اعتماد شركة كوماك الصينية على المكونات الأميركية، لا يهدد فقط خطط إنتاج طائرات صينية جديدة، بل يُعرقل أيضاً عمليات الصيانة للطائرات الـ 17 التي دخلت الخدمة بالفعل، فعملية تصنيع طائرة كوماك C919 تعتمد على 48 مورّداً رئيسياً من الولايات المتحدة، و26 مورّداً من أوروبا و14 من الصين.
ومن بين المورّدين الأميركيين لطائرة C919 الصينية، شركات مثل هانيويل، وكولينز إيروسبيس، وكرين إيروسبيس آند إلكترونيكس، وباركر إيروسبيس، في حين أن مُحرّك LEAP-1C الذي يُعد من أهم مكونات طائرة كوماك C919، هو من إنتاج شركة CFM International، وهي مشروع مشترك بين GE Aerospace الأميركية وSafran الفرنسية.
أميركا تتحكم بمصير C919
وبحسب ما قال دان تايلور رئيس الاستشارات في شركة IBA للاستشارات الجوية، فإن الصين وحتى الساعة، لا تملك بديلاً محلي الصُنع لمُحرّكات LEAP-1C الأميركية الفرنسية المستخدمة في طائرة C919، وهو الواقع الذي ينطبق أيضاً على معظم المكونات الأخرى التي تحتاجها الطائرة، حيث كشف ريتشارد أبو العافية، المدير الإداري لشركة AeroDynamic Advisory أن الولايات المتحدة يمكنها إيقاف مسار شركة كوماك في أي وقت تريده.
بدوره كشف محلل بنك أوف أميركا رون إبستاين في مذكرة، أن صناعة الطيران التجاري الصيني وبعكس العديد من الصناعات الصينية الأخرى، لا تعتمد على التصنيع المحلي منخفض التكلفة، فالموردون الصينيون لا يقدمون لطائرة C919 أنظمة ذات قيمة مضافة عالية مثل المحركات وأجهزة التحكم وأنظمة التشغيل، ولذلك فإنه إذا قررت الولايات المتحدة في وقت ما، تقييد صادرات المكونات الأساسية إلى الصين، أو إذا توقفت الصين عن شراء مكونات الطائرات من الولايات المتحدة، فإن برنامج تصنيع طائرات C919 سيتوقف أو سينتهي.
القرار الأميركي لم يصدر
من جهته يقول ساش توسا، محلل شؤون الطيران والدفاع في المملكة المتحدة، إن أميركا لم تُعلن بعد، أنها لن تُورّد مكونات لطائرة C919 الصينية، إلا أن هذه الخطوة قد تأتي في المرحلة التالية، في حين يشدد بقية المراقبين، على أنه حتى الساعة لا تزال الشركات الأميركية تقدم لشركة كوماك خدمات ما بعد البيع، بما في ذلك دعم إصلاح وصيانة طائرات C919 الموجودة في الخدمة. من جهتها تدرس شركة كوماك الصينية، آثار حرب التعريفات الجمركية الدائرة بين بكين وواشنطن على أعمالها، ولكن مبيعاتها لم تتأثر بما يحصل وفقاً لما كشفه شخص مقرب من الشركة لـ "فايننشال تايمز.
رسائل مزدوجة من بكين
وتدرك الصين جيداً مدى تعلق صناعة الطائرات لديها بأميركا، فرغم أن بكين أعلنت منذ أسابيع أن شركات الطيران الصينية، سترفض استلام أي طائرات جديدة من شركة بوينغ، إلا أن وزارة التجارة في البلاد، عادت وأعلنت الأسبوع الماضي استعدادها لدعم التعاون الطبيعي مع الشركات الأميركية، في حين منحت السلطات الصينية بعض المنتجات الأميركية، المرتبطة بصناعة الطيران إعفاءات جمركية.
من هي شركة كوماك؟
تأسست كوماك في عام 2008 وهي شركة مملوكة بالكامل للدولة الصينية، حيث تُعتبر كياناً رسمياً لتحقيق طموح الصين، في بناء صناعة طائرات ركاب محلية تنافس شركتي بوينغ الأميركية وإيرباص الأوروبية.
وطائرة C919 هي المشروع الأبرز لكوماك، وهي تُعد أول طائرة ركاب صينية ضيقة البدن، مخصصة للرحلات القصيرة والمتوسطة. وحالياً تُشغّل شركات الطيران الصينية 17 طائرة كوماك C919، ومن المتوقع أن يصل عدد هذه الطائرات إلى 100 بحلول عام 2031.
ولكن طائرات كوماك لا تزال تفتقر إلى شهادات دولية، بما في ذلك شهادة من إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية، وهيئة تنظيم الطيران الأوروبية، وهذا ما يحد من قدرة الشركة على الطيران خارج الصين. وقد صرّحت وكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي مؤخراً، بأن حصول طائرة C919 على الموافقة سيستغرق من ثلاث إلى ست سنوات.
مشروع صيني بمحركات أميركية
ويقول الخبير في صناعة الطيران محمد عبد الله، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن مشروع طائرة C919 الذي تتبناه شركة كوماك الصينية الحكومية، يواجه اليوم اختباراً قاسياً بسبب احتدام التوترات الجيوسياسية والتجارية، خصوصاً أن عملية تصنيع هذه الطائرة قائمةٌ على التشابك العميق في سلاسل التوريد الأميركية والأوروبية، مشيرأ إلى أنه رغم قيام الصين بالتسويق لكوماك C919 على أنها أول طائرة ركاب "صينية بالكامل"، إلا أن ما بين 60 إلى 70 في المئة من المكونات الرئيسية للطائرة، مستوردة من شركات أميركية وأوروبية، بما في ذلك المحرّك وأنظمة التحكّم بالطيران وأنظمة الهيدروليك، وهي عناصر تشكّل العمود الفقري لأي طائرة تجارية.
ويكشف عبد الله أنه مع تكاثر الإشارات من واشنطن حول إمكانية تشديد الخناق على "التكنولوجيا الحساسة"، المرتبطة بتصنيع الطائرات التجارية الصينية، فإن شركة كوماك باتت في وضع لا تُحسد عليه، إذ أن أي قرار أميركي يقيد أو يمنع تصدير القطع الحيوية، سيؤدي إلى تجميد عمليات إنتاج أي طائرة جديدة من كوماك، كما سيعطل أعمال الصيانة، ما سيضع شركات الطيران الصينية التي تُشغّل حالياً 17 طائرة من هذا الطراز، أمام صعوبات لوجستية لتأمين قطع الغيار أو الدعم الفني.
الصين غير جاهزة بعد
وبحسب عبد الله فإن المُقلق في الأمر هو أن البدائل الصينية غير جاهزة بعد، فمثلاً مُحرّك الطائرات CJ-1000A الذي تعمل الصين على تطويره، لا يزال في مراحل الاختبار المبكر، وربما يحتاج من 5 إلى 7 سنوات قبل أن يتم اعتماده تجارياً، وهو ما يُعد وقتاً طويلاً في قطاع تتسم فيه المنافسة بالسرعة والتطور التقني، ولذلك فإن أي قيود تصدير أميركية، يمكن أن تُجمّد تماماً قدرة الطائرات الصينية على الاقلاع والهبوط دون مخاطر، خصوصاً أن الطائرات التجارية بحاجة لصيانة دورية، للمحافظة على أدائها بما يضمن سلامة الركاب.
ما الذي يحدث الآن؟
وشدد عبد الله على أنه حتى الآن لا توجد عقوبات مباشرة تستهدف شركة كوماك، لكن الولايات المتحدة والصين تواصلان السير على حافة التصعيد الكامل في هذا الملف، فعندما قيّدت بكين قبل أسابيع استلام طائرات بوينغ، جاء الرد الأميركي بتذكير بكين بأن مفاتيح صناعة الطيران المدني لا يزال في يدها، لكن بعد ذلك ظهرت مؤشرات على محاولة تهدئة جزئية، تمثلت بمنح الصين إعفاءات جمركية لبعض الشركات الأميركية، لتصنيع قطع غيار الطائرات، وهو ما يمكن تفسيره على أنه مسعى للإبقاء على قنوات التعاون مفتوحة.
الصين تدرك الحقيقة
ويؤكد عبد الله أن طموح الصين في بناء صناعة طيران تجاري متقدمة، حقيقي وراسخ، لكنه لا يزال يواجه قيوداً جيوسياسية وتقنية معقدة. فطالما لم تتمكن بكين من تحقيق الاكتفاء الذاتي في المكونات عالية القيمة، ستبقى مشاريعها في هذا المجال عرضة للتعليق أو التباطؤ مع أي تغير في المزاج السياسي في واشنطن، مشيراً إلى أن الصين تدرك تماماً أنها لا تستطيع خوض مواجهة طويلة الأمد، في وقت تعتمد فيه صناعتها الجوية على التكنولوجيا الأميركية.
0 تعليق