نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
صعيدي وهب حياته للثأر.. مجدي يعقوب الذي لا يعرفه أحد, اليوم الخميس 26 يونيو 2025 12:33 مساءً
كأي صعيدي، كرس الدكتور مجدي يعقوب حياته للثأر، ثأرًا لمقتل عمته وهي في الثانية والعشرين من عمرها، حيث كان مشهد وفاتها مروعًا، تسبب في انهيار والده وإطفاء نور عينيه، وهو المشهد الذي احتل الجزء الرئيسي من ذاكرة مجدي الصغير.
أصيبت عمته، الفتاة الجميلة، بضيق في صمام القلب، وهي في أمس الحاجة إلى جراح ينقذ حياتها التي كانت تتسرب ببطء، لم يجرؤ أحد على انتزاعها من أنياب الموت المتأهب لالتهامها، ولم تجد العلاج المناسب في مصر، ولم يتمكن والدها من اصطحابها إلى الخارج، ففاضت روحها بين يديه، وفرض الحزن شروطه القاسية على العائلة بأكملها.
عندما كان مجدي في الخامسة من عمره، دخل على والده فوجده منهارًا لا يقوى على الحركة. سأله عن السبب، لكن والده كان في حالة لا تسمح بالحديث مع الصغار، فأجابه بغضب: "اسكت.. متتكلمش خالص".
لم يصمت مجدي، بل أعاد السؤال بصيغة أخرى: "عايز أفهم!.. إنت ليه منهار بالشكل ده؟" عندها أخبره والده بالحقيقة المرة: "نور عيني انطفأ!.. عمتك الصغيرة ماتت.. وكان من الممكن أن تعيش لو أجرت عملية جراحية عند طبيب في إنجلترا."
بدلًا من أن يبكي أو يواسي والده، سأله مجدي ببراءة: "عند مين في إنجلترا؟" تعجب الأب من سؤاله المفاجئ، لكنه ذكر له اسم الطبيب الإنجليزي ظنًّا منه أن هذا سيكفي لإنهاء الحديث.
هز الصغير رأسه من أعلى إلى أسفل عدة مرات وقال بهدوء: "لما أكبر هروح أشتغل مع الراجل ده وأبقى جراح قلب." نظر إليه والده بأسف وهو يهز رأسه يمينًا ويسارًا: "ازاي بس تبقى جراح.. وأنت معندكش أي مواصفات تخليك كده؟!"
خطفته أسوان بنيلها الساحر وهدوئها وأهلها الطيبين
أوحى الظلم الذي أخرج العمة من قائمة الأحياء للصغير بالبحث عن مدخل يضمن العدل والمساواة للمرضى، وعثر على هذا المدخل بعد سنوات في أسوان، المدينة التي قضى فيها عامًا ونصفًا من عمره برفقة والده، الطبيب صاحب الأصول الصعيدية من المنيا، والذي كان يتنقل بحكم عمله في وزارة الصحة بين المحافظات.
خطفته أسوان بنيلها الساحر وهدوئها وأهلها الطيبين "الخلطبيطة". وجد على أرضها الطيبة بشرًا من كل المدن والقرى المصرية، بل ومن دول العالم، يعيشون فيها أو يزورونها للاستمتاع بجمالها المتفرد وسحرها الأسطوري. شاهد وجوهًا بألوان مختلفة: بيضاء وسوداء، وسمراء، وشقراء، تمنحهم المدينة طبيعتها بالتساوي دون تمييز.
خدمة طبية دون سؤال عن دين أو لون أو ثروة
استقى مجدي من أسوان فلسفته عن العدالة في الطب، التي أصبحت فيما بعد العمود الفقري لمشاريعه الإنسانية العملاقة المنتشرة حول العالم: تقديم الخدمة الطبية دون سؤال عن دين المريض أو لونه أو ثروته. بينما أخذت أسوان قلبه، فظل مشغولًا بها، حالمًا بالعودة من الغرب ليجعل منها رمزًا للعدالة في جراحة القلب.
لم يكن مجدي طفلاً ثرثارًا؛ بل كان – حسب اعترافه – ساكتًا معظم الوقت، يفضل الصمت والتأمل، لدرجة أن البعض ظن أنه مصاب بمرض في "المخ". جنبته قلة كلامه المعارك التافهة، ليركز كل طاقته على تأدية رسالته العظيمة، وليفي بالوعد الذي قطعه على نفسه وسخر منه والده وتحداه أن يحققه!
تحولت سخرية الأب إلى خيبة أمل عندما استدعى ابنه – بعد أن أصبح طالبًا في كلية الطب – ليساعده في إجراء عملية جراحية كخطوة أولى في تدريبه. لكن مجدي، بمجرد أن شاهد دم المريض، أغمي عليه، مما اضطر الأب لإخراجه من غرفة العمليات!
الرد على زملاء بريطانيا بأعلى وسام في إنجلترا
وواجه مجدي السخرية مرة أخرى على وجوه زملائه في بريطانيا، حيث سافر لاستكمال دراسته، خاصة بعد أن عرفوا أنه مصري، فظلوا يتغامزون عليه ويسألون باستخفاف: "انت جاي منين؟" تذكّر أن بين بلده العربيّ وإنجلترا حربًا ممتدة. وكانوا ينادونه بـ"المغترب". ومجدي، كعادته، صامت لا يبدد طاقته في مبارزات كلامية عقيمة.
لكنه رد عليهم بعد سنوات بطريقته الخاصة، وهم يشاهدون الملكة إليزابيث الثانية تقلده أعلى وسام في إنجلترا، وتقول له: "أنت أحسن حد عندنا في بريطانيا.. أنت إنجليزي!.. ومصري كمان". لم يكن الأب على قيد الحياة ليشاهد هذا المشهد ويسمع الكلمات التي كان ينتظرها من ابنه!
كيف نظر مجدي يعقوب إلى الفلاح كطبيب؟
وُلد مجدي في شقة بالطابق الثاني (إيجارها أربعة قروش) بشارع فؤاد الأول سابقًا (بورسعيد حاليًا) في حي الشيخ بكري ببلبيس، محافظة الشرقية، يوم 16 نوفمبر 1935، لوالده الدكتور حبيب يعقوب مفتش الصحة. تنقل معه بعدها إلى قنا، والفيوم، وشبين الكوم، وأسوان. كان القاسم المشترك بين هذه البلاد هو الفلاح، الذي نظر إليه مجدي كـ"طبيب" يعالج نباتات حية وينقذها من الموت، تمامًا كما يفعل الطبيب مع البشر. فأصبحت الزراعة جزءًا من اهتماماته وهوايته الأولى، يفلح الأرض بنفسه ويزرع الزهور في حديقة منزله بإنجلترا أو مصر، وخاصة زهرة الأوركيد التي يخصص لها وقتًا لرعايتها بدقة، "لتعيش كأي طفل جميل". بل إنه يسافر لحضور مؤتمرات خاصة بها، ولشغفه بها، أطلق اسم "مجدي يعقوب" على سلالتين منها: واحدة إنجليزية جميلة بيضاء بقلب أحمر، وأخرى إيطالية قبيحة الشكل لم تعجبه!
طبيب يشبه زهرة الأوركيد
في أحد لقاءاته التلفزيونية، قالت له المذيعة إنه يشبه "الأوركيد" لأنها أغلى أنواع الزهور، وجمالها لا يزول سريعًا، وهي موجودة في كل البيئات وتنشر سحرها في كل مكان. علق الدكتور مجدي بتواضع بأنه ليس بهذه القيمة
تخرج في كلية طب القصر العيني عام 1957، وكان ترتيبه الخامس على الدفعة، أثناء عمله كنائب في قسم الجراحة، اضطر لإجراء أول عملية جراحية في القلب لعدم وجود غيره من الأطباء. فتح صدر المريض وخاط جرحه الكبير، محاولاً منع الموت الذي التهم عمته.
يعقوب يصل إلى الأرض الموعودة
بعد خمس سنوات، سافر مجدي إلى إنجلترا، ليضع قدميه على الأرض الموعودة التي رأها في حلم طفولته سفينة إنقاذ لمرضى القلوب، لم تتمكن عمته من ركوبها. بدأ الدراسة وتخصص في جراحات القلب والصدر، ليعود إلى والده حاملاً شهادة الدكتوراه.
لكن الأب لم ينتظره؛ فقد توفي بنوبة قلبية قبل أن يمضي ابنه عامًا واحدًا في دراسته. كل ما استطاع مجدي فعله هو العودة إلى مصر ليدفن والده بيديه. في إنجلترا، حصل مجدي على الزمالة الملكية من ثلاث جامعات مرموقة (الجراحين البريطانيين بلندن، والجراحين بأدنبرة، والجراحين الملكية بجلاسكو). بدأ حياته العلمية كباحث في جامعة شيكاغو سنة 1969، ثم أصبح رئيس قسم جراحة القلب عام 1972، ثم أستاذًا لجراحة القلب في مستشفى برومتون في لندن عام 1986.
0 تعليق