جنوح عشرات الدلافين على سواحل سقطرى.. تحذير علمي من كارثة بيئية

المشهد اليمني 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
جنوح عشرات الدلافين على سواحل سقطرى.. تحذير علمي من كارثة بيئية, اليوم الأحد 15 يونيو 2025 03:44 صباحاً

أثار جنوح أكثر من ثلاثين دلفينًا نافقًا على شواطئ منطقة "شوعب"، جنوب غرب مدينة قلنسية في أرخبيل سقطرى، خلال الأيام الأولى من شهر يونيو الجاري، حالة من القلق البيئي الواسع بين العلماء والجهات المعنية، ما دفع مراكز بحثية إلى إطلاق تحذيرات عاجلة من احتمال حدوث كارثة بيئية تتهدد واحدة من أكثر المناطق تنوعًا بيولوجيًا في العالم.

ووصفت الحادثة بأنها "صادمة" من قبل السكان المحليين، الذين شهدوا جرف الأمواج للجثث نحو الشاطئ، في مشهد أعاد للأذهان مخاوف متراكمة بشأن التغيرات البيئية التي تضرب الأرخبيل منذ سنوات. وتشير الدراسات إلى أن هذه ليست الحالة الأولى من نوعها، لكن تكرار الحوادث بوتيرة متزايدة يُعد مؤشرًا خطيرًا على تدهور صامت في التوازن البيئي البحري.

دراسة حديثة: الجنوح نتيجة اضطرابات بيئية حادة وتضارب التيارات البحرية

كشفت دراسة علمية حديثة أجرتها "وحدة البيئة البحرية" في مركز سقطرى للدراسات الإنسانية والاستراتيجية ، أن الحادثة ترتبط مباشرة بالاضطرابات البيئية الحادة التي تشهدها المنطقة خلال المواسم المناخية الانتقالية، خصوصًا في فترتي مايو–يونيو وسبتمبر–أكتوبر، حيث تشهد السواحل تقلبات كبيرة في التيارات البحرية ودرجات الحرارة.

وأشارت الدراسة إلى أن تلك التغيرات تؤثر بشكل مباشر على نظام التوجيه الصوتي المعروف باسم "إيكولوكيشن "، الذي تعتمد عليه الدلافين في التنقل تحت الماء، ما يؤدي إلى انحرافها عن مسارها الطبيعي وإصابتها بالجنوح الجماعي.

كما لفتت الدراسة إلى أن معظم الدلافين المنكوبة تنتمي لأنواع اجتماعية مثل "الدلفين الغامقي " (Cuvier’s Beaked Whale) و"الدلفين المخطّط " (Striped Dolphin)، والتي تعيش في مجموعات مترابطة. وعادةً ما يكون هذا النوع من الكائنات أكثر عرضة للجنوح الجماعي نتيجة أي اضطراب في النظام البيئي أو التوجه الصوتي.

العوامل البيئية المؤثرة في ظاهرة الجنوح

سلطت الدراسة الضوء على مجموعة من العوامل التي قد تكون ساهمت في وقوع الحادثة، ومن أبرزها:

  • التغيرات المفاجئة في درجات حرارة المياه : حيث يؤدي الانخفاض أو الارتفاع الحاد في درجة حرارة الطبقة السطحية للمياه إلى اضطرابات في السلوك الطبيعي للأسماك والكائنات البحرية، مما يدفع الدلافين إلى الاقتراب من السواحل.

  • ظاهرة الصعود البحري (Upwelling) : وهي عملية طبيعية تحدث في موسم الرياح الموسمية، حيث تندفع مياه باردة من أعماق المحيط نحو السطح، محملة بالمغذيات، لكنها في الوقت نفسه تسبب تقلبات حادة في كثافة ودرجة حرارة المياه، ما يؤثر على حاسة التوجيه لدى الثدييات البحرية.

  • الطبوغرافيا الساحلية المعقدة : تتميز سواحل سقطرى بوجود خلجان وممرات ضيقة تمثل "فخاخًا طبيعية" تجعل من الصعب على الكائنات البحرية تحديد الاتجاه الصحيح عند اقترابها من اليابسة.

  • الضوضاء البشرية : بما في ذلك النشاطات البحرية التجارية واستخدام أجهزة السونار وأدوات الصيد الحديثة، التي تُعتقد أنها تلعب دورًا في تشتت تركيز الدلافين وانحرافها.

تحذيرات علمية: "جنوح الدلافين جرس إنذار للتدهور البيئي"

وصف الدكتور عمر السقطري ، مدير الأبحاث البيئية في مركز سقطرى، الجنوح بأنه "جرس إنذار للتدهور البيئي الصامت"، مشددًا على ضرورة اتخاذ خطوات استباقية للحفاظ على التوازن البيئي في الجزيرة، التي تُصنف ضمن قائمة اليونسكو للمواقع التراثية العالمية.

ودعا إلى ضرورة التحرك العلمي السريع لمراقبة التغيرات البيئية البحرية، ودعم الجهود المحلية لإنشاء آليات إنقاذ فورية ومنظمة في حالات الجنوح.

وأوصت الدراسة بتوصيات عملية للحد من تكرار الحوادث، منها:

  • إنشاء نظام إنذار مبكر في المناطق الأكثر تعرضاً لحوادث الجنوح.
  • تدريب فرق استجابة محلية مؤهلة لإنقاذ الدلافين بطريقة علمية وآمنة.
  • تعزيز رصد التيارات الموسمية ودرجات حرارة المياه لتحديد الفترات الحرجة.
  • رفع مستوى الوعي المجتمعي حول كيفية التعامل الإنساني والسليم مع الكائنات البحرية الجانحة.
  • تنفيذ مسوحات دورية لمراقبة صحة وسلوك الكائنات البحرية في محيط سقطرى.

استجابة مجتمعية وإنسانية غير مسبوقة

في مفاجأة إيجابية، أظهر السكان المحليون استجابة إنسانية سريعة ومنظمة، حيث حاولوا إنقاذ عدد من الدلافين عبر إعادة دفعها إلى البحر، وهو ما أسهم في رفع معدل النجاة إلى حوالي 60% ، وفق إحصائيات المركز، وهو أعلى من المعدل العالمي المتوقع في مثل هذه الحالات.

وأكدت الدراسة أن هذا التعاون بين الإنسان والبيئة يمثل نموذجاً يحتذى به في التعامل مع الكوارث البيئية الصغيرة قبل أن تتفاقم.

تحرك حكومي فوري بعد الحادثة

على صعيد رسمي، وجّه وزير الزراعة والري والثروة السمكية في الحكومة اليمنية، سالم السقطري ، الجهات المعنية، ومن بينها هيئة أبحاث علوم البحار وحماية البيئة في سقطرى ، بفتح تحقيق فوري في أسباب الحادثة، وتقديم تقرير شامل يتضمن توصيات علمية للحد من تكرارها مستقبلاً.

أزمة بيئية أم مؤشر خطير؟

رغم أن جنوح الدلافين ليس بجديد على السواحل العالمية، إلا أن تكراره في سقطرى بوتيرة متزايدة يثير قلقاً كبيراً لدى الباحثين والعلماء. ويعزو الخبراء هذا التكرار إلى تأثيرات تغير المناخ العالمي ، بالإضافة إلى الأنشطة البشرية المتزايدة التي تضغط على النظم البيئية الهشة في الجزيرة.

ويحذر الباحثون من أن هذه الحوادث قد تكون مجرد مؤشرات أولية لانهيار بيئي أكبر في المستقبل إذا لم تُتخذ الإجراءات الوقائية اللازمة.

سقطرى.. موطناً للتنوع البيولوجي.. هل نحن أمام بداية اختبار حقيقي لقدرتنا على الحفاظ عليها؟

تُعتبر سقطرى واحدة من أغنى المناطق بالتنوع البيولوجي في العالم، حيث تضم أكثر من 700 نوع نباتي و140 نوعًا من الطيور و30 نوعًا من البرمائيات والزواحف ، والعديد من الكائنات البحرية النادرة. ولذلك فإن الحفاظ على توازنها البيئي لا يشكل فقط تحدياً محلياً، بل هو قضية ذات أهمية دولية.

وبما أن الجزيرة تقع في نقطة تقاطع بين تيارات بحرية عالمية، فإن أي تغيير في بيئتها البحرية قد يكون له تأثيرات بعيدة المدى على النظام البيئي الإقليمي والدولي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق