نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل يشفي التنين الصيني مرض القارة العجوز؟, اليوم الجمعة 6 يونيو 2025 06:44 صباحاً
في مشهد يعكس تحوّلًا لافتًا في ميزان التحالفات الاقتصادية العالمية، تسير الصين بخطى ثابتة نحو تعميق علاقتها التجارية مع أوروبا، مقدّمةً عروضًا مغرية للاستثمار والتعاون، في وقت تواجه فيه ألمانيا، قلب الصناعة الأوروبية، أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود.
وبينما تتبادل بكين وبروكسل الوفود التجارية وتبحثان عن أرضية مشتركة لعقد قمة مرتقبة، تتراكم الأزمات في برلين، من ركود اقتصادي حاد، إلى تآكل القدرة التنافسية، وانحسار الدور القيادي في القارة.
هذا التقارب الصيني الأوروبي يطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل التوازنات الجيوسياسية والاقتصادية، ويكشف في طيّاته تحوّلًا في أولويات القارة العجوز، وسط ما وصفه الخبير الاقتصادي ناصر زهير بـ"التحول البراغماتي لمواجهة ضغوط ترامب والواقع الاقتصادي المتردي".
الصين تفتح الأبواب: أرقام تروي الحكاية
أثمرت اللقاءات المكثفة بين مسؤولين صينيين ورجال أعمال أوروبيين خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الجاري عن ارتفاع حجم التبادل التجاري بين الجانبين إلى 247 مليار دولار، متفوقًا بوضوح على التبادل الصيني الأميركي الذي تراجع بنسبة 2 بالمئة إلى 200 مليار دولار. كما قفزت استثمارات الشركات الأوروبية في الصين إلى 150 مليار دولار، بينما بلغت استثمارات بكين في أوروبا 110 مليارات دولار، أي ثلاثة أضعاف ما تستثمره في الولايات المتحدة.
وفي خطوة لافتة، دخلت الصين في مفاوضات مع شركة إيرباص لشراء ما بين 300 و500 طائرة، وهو ما يعزز الرغبة الصينية في كسر احتكار بوينغ الأميركية، ويمنح أوروبا ورقة ضغط تجارية في وجه الإدارة الأميركية.
ويُنتظر أن تتوج هذه الجهود بقمة تجمع الرئيس الصيني بالقادة الأوروبيين في يوليو المقبل، لحل الخلافات التجارية وتوسيع آفاق التعاون، في ظل استمرار أوروبا كثاني أكبر شريك تجاري للصين للسنة الخامسة على التوالي.
ألمانيا... من "معجزة اقتصادية" إلى "رجل أوروبا المريض"
في المقابل، ترزح ألمانيا تحت وطأة أزمة اقتصادية مركبة، وصفتها الأوساط الأوروبية بأنها "الأسوأ منذ الحرب الباردة".
تشير الإحصاءات إلى:
- 840 مليار دولار: حجم الخسائر المباشرة نتيجة جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا.
- 57 ألف شركة أعلنت إفلاسها خلال ثلاث سنوات، مع 25.8 ألف شركة مهددة بالإفلاس هذا العام.
- انكماش اقتصادي متواصل للعامين الماضيين، يُعدّ الأطول منذ 24 عامًا، ومن المرجح أن تنهي ألمانيا عام 2025 بدون أي نمو يُذكر.
- وزير المالية السابق وصف بلاده بأنها "أصبحت فقيرة وفقدت تنافسيتها".
وترجع الأزمة لأسباب متداخلة، أبرزها:
- التخلي عن الغاز الروسي وارتفاع أسعار الطاقة.
- معدلات شيخوخة متزايدة ونقص في العمالة الماهرة.
- تراجع أداء قطاع السيارات، خاصة أمام المنافسة الصينية.
وتسعى الحكومة الألمانية للخروج من هذا النفق عبر خطة استثمارية تتجاوز تريليون دولار لتحديث البنية التحتية، وتقديم حزمة تخفيضات ضريبية بـ46 مليار يورو لدعم الشركات.
ناصر زهير: التحالف مع الصين "ورقة ضغط على ترامب"
في تصريحات لـبرنامج "بزنس مع لبنى" على سكاي نيوز عربية، قال ناصر زهير، رئيس قسم الاقتصاد والدبلوماسية في المنظمة الأوروبية للسياسات:"السياسات التي انتهجها ترامب دفعت الاتحاد الأوروبي تدريجيًا نحو الصين، ليس كتحول استراتيجي، بل كورقة ضغط متاحة ضد واشنطن".
وأوضح زهير أن تردد واشنطن في إبرام اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي، والضغوط التي تمارسها الإدارة الأميركية على الشركات الأوروبية لنقل أنشطتها إلى الأراضي الأميركية، جعلت بكين تظهر كشريك اقتصادي أكثر التزامًا.
وأضاف:
"تصريحات ترامب الأخيرة بأنه غير مهتم بالاتفاق مع الاتحاد الأوروبي دفعت الأوروبيين لإعادة التفكير بتحالفاتهم التجارية".
ورأى زهير أن ما يجري ليس تخليًا تامًا عن واشنطن، بل "محاولة لخلق توازن جديد يسمح لأوروبا بالاستفادة من الطرفين، وكبح جماح الولايات المتحدة التي تستخدم سلاح الاقتصاد كسوط في صراعاتها السياسية".
أزمة القيادة الأوروبية: ألمانيا تتراجع... وميلوني تتقدم؟
يرى ناصر زهير أن ما كان يُعرف بـ"القاطرة الألمانية" لم يعد صالحًا لقيادة النمو الأوروبي في ظل الانكفاء الداخلي لألمانيا وسعيها لإنقاذ اقتصادها. وأوضح:
"في أزمات اليونان وإيطاليا وإسبانيا، كانت ألمانيا هي المنقذ. اليوم ألمانيا نفسها بحاجة إلى من ينقذها".
ودعا زهير إلى إعادة تشكيل حوامل الاقتصاد الأوروبي، مشيرًا إلى صعود دول مثل إيطاليا والسويد والدول الإسكندنافية كلاعبين اقتصاديين ناشئين.
واعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني قد تكون "خليفة ميركل"، فيما يتعلق بدور القيادة في القارة.
صدام المصالح...من الوحدة إلى الانفرادية
وفي تحليل لواقع اتخاذ القرار الأوروبي، أشار زهير إلى أن البيروقراطية الأوروبية وغياب التصويت بالأغلبية يُعطلان الإصلاحات. وقال:
"الاتحاد الأوروبي كيان هش، غير قادر على أن يكون مستقلاً عن الولايات المتحدة، إلا إذا أجرى إصلاحات داخلية عميقة، أبرزها تغيير آلية التصويت والتخلص من مركزية المفوضية الأوروبية".
وأشار إلى أن الحرب في أوكرانيا أجهضت مشاريع "الاستقلالية الدفاعية والاقتصادية"، التي طالما تبناها الرئيس الفرنسي ماكرون، و"أخرت بناء الجيش الأوروبي الموحد لعقد كامل على الأقل".
أوروبا بين مطرقة ترامب وسندان بكين
في هذا السياق المعقد، تتقدم الصين في رسم ملامح جديدة لعلاقاتها مع أوروبا، مستغلة غياب قيادة اقتصادية موحدة في بروكسل وانكفاء ألمانيا على نفسها. وبينما تسعى أوروبا لإيجاد توازن يحفظ استقلاليتها ويمنع انزلاقها في حرب تجارية جديدة، تبدو القارة مطالبة بإعادة تعريف دورها وموقعها في النظام العالمي.
وكما قال ناصر زهير: "ما تحتاجه أوروبا ليس فقط شراكة جديدة مع الصين، بل رؤية جديدة لاقتصادها وهويتها السياسية في عالم يتغير بسرعة غير مسبوقة".
هل تكون قمة يوليو المقبلة هي لحظة التحوّل؟ أم أن الانقسام الأوروبي سيُفشل رهانات بكين؟
الأسابيع القادمة ستكشف الكثير عن ملامح التحالفات القادمة في عالم لا مكان فيه للثوابت.
0 تعليق