نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
محاولة لالتقاط المعنى وسط الزحام الداخلي.., اليوم الأربعاء 18 يونيو 2025 06:48 صباحاً
هدى حكمي*
أنا امرأة لا تُغريها الفوضى، ولا تتهاوى بسهولة في دهاليز التشتّت؛ بل من أولئك اللواتي اعتدن محاورة أنفسهن كما تُحاوَر الكتب الكبرى، اللواتي يشربن المعنى على مهل، ويزِنَّ الفكرة بميزان الدهشة والشكّ معًا.
ومع ذلك… ها أنا أكتب بيدٍ لا تهتدي إلى الفكرة، وبذهنٍ يشبه غرفةً فُتحت نوافذها كلها، فتسلّل منها الغبار والضوء والضوضاء دفعة واحدة.
لا أجهل ما حلّ بي، لكنّي أعجز عن الإمساك به.
ذهني لم يعُد مُهيّأ لاحتضان فكرة حتى نهايتها؛ ما إن أقبض على خيطٍ منها، حتى يلفّ عنقي بخيوطٍ أخرى تُنازعني الانتباه.
كأنني أعيش داخل ركام من الأصوات المتداخلة … لا واحدٌ منها يصمت، ولا واحدٌ منها يُجيد الحوار.
أُرهقني أن أكون حاضرة بجسدي، غائبة بوعيي.
أقرأ صفحةً كاملة، ثم لا أجد في رأسي منها سوى فراغ… لا لأنه فارغ، بل لأنه متعب.
ذاك النوع من التعب الذي لا يُرى في العينين، بل يُقيم في عُمق الدماغ…
كأن ثقلًا خفيًّا جثم على ذاكرتي، وعلى تأمّلي، وعلى لياقة تفكيري.
قد يُرهق العقل صاحبته حين تعرف أكثر مما يجب، وتشعر أكثر مما يُحتمل، وتُريد أن تحتوي كلّ شيء دفعة واحدة.
هكذا أصبح ذهني: مجرّة من المعاني غير المصنّفة، تتدافع بلا خارطة.
أنا التي كنتُ أدرّب نفسي على التركيز كما تُدرَّب العضلات، أجدني الآن ألهث خلف لحظة سكون… لا تأتيني.
وهذا بحد ذاته يُحزنني، لا لأني ضعُفت، بل لأني لم أعتد أن أكون بهذا الشكل: ساكنة الملامح، مُنهكة الروح.
ومع هذا كلّه، لا أستسلم؛ بل أنظر إلى هذا التبعثر كما ينظر الفيلسوف إلى فوضى الكون: لا ليفهمها كلّها، بل ليعرف نفسه من خلالها.
أنا لا أخاف من الضياع…
ما دام بداخلي صوتٌ يهمس:
“ما زلتِ أنتِ… فقط أرهقكِ الطريق.”
وسأعود…
أكتبُ لأبقى متّصلة بي، ولأمنح غيري مرآة قد يحتاجها.
بين الأدب والفكر، أبحث عمّا يجعل من الكتابة عودة هادئة للنفس.
*كاتبة سعودية
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
0 تعليق