نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
البابا لاوون الرابع عشر: بين إرث فرنسيس وروح التحديات الجديدة, اليوم السبت 10 مايو 2025 12:18 مساءً
إن المقالات المنشورة في خانة "مقالات وآراء" في "النشرة" تعبّر عن رأي كاتبها، وقد نشرت بناء على طلبه.
لم يكن اختيار البابا فرنسيس للكاردينال روبرت بريفوست لشغل موقع رفيع في الفاتيكان قراراً عابراً، بل أتى في سياق مدروس يعكس ثقة شخصية ولاهوتية بمنهج هذا الأسقف الآتي من شيكاغو. البابا فرنسيس عيّنه رئيساً لمجمع الأساقفة، وهو ما فُسّر في حينها على أنه تحضير لمرحلة لاحقة تتخطى موقعه التنفيذي لتصل إلى احتمال قيادة الكنيسة الكاثوليكية نفسها. ومع انتخاب بريفوست بابا تحت اسم لاوون الرابع عشر، تبرز تساؤلات جوهرية عن معنى هذا الاسم، مساره المستقبلي، وتوجهه الفاتيكاني بين الانفتاح والمحافظة.
لماذا لاوون الرابع عشر؟
اختيار اسم لاوون الرابع عشر يُحيل إلى البابا لاوون الثالث عشر الذي قاد الكنيسة في نهاية القرن التاسع عشر، واشتهر بانفتاحه الاجتماعي والفكري، ولا سيما منها عبر إصداره الرسالة العامةRerum Novarum (الأمور الجديدة) التي أرست مبادئ العدالة الاجتماعية والحقوق العمالية. يبدو أن البابا الجديد أراد من خلال هذا الاسم التأكيد على التزامه بخط فكري يعالج القضايا الحديثة بلغة اجتماعية وإنسانية، تستوحي من روح الكنيسة الإصلاحية من دون القطيعة مع التقليد.
بين الانفتاح والمحافظة
السؤال الذي يفرض نفسه: هل يسير لاوون الرابع عشر على خطى البابا فرنسيس من حيث الانفتاح، أم أنه أقرب إلى تيار المحافظين داخل حاضرة الفاتيكان؟ في الواقع، تطرح شخصية لاوون الجديد نموذجاً وسطياً. فهو ابن المؤسسة الكنسية الأميركية، المتنوعة في توجهاتها، لكنه تأثر بمدرسة فرنسيس الداعية إلى الرحمة والتواضع والانخراط في قضايا العالم. وفي الوقت ذاته، يتمسك البابا الجديد بمرجعية كاثوليكية صلبة لا تسمح بتفسيرات ليبرالية مفرطة في قضايا العقيدة والأخلاق.
الاستمرارية والاختلاف
في كثير من الجوانب، يشكل لاوون استمراراً لنهج فرنسيس، وخصوصاً في اهتمامه بقضايا العدالة الاجتماعية، المناخ، ومصير الفقراء والمهمشين. إلا أن الاختلاف قد يظهر في أسلوب الإدارة: فبينما امتاز فرنسيس بعفوية كاريزماتية واتخاذ مواقف مفاجئة أحياناً، كالخروج عن النص المكتوب وارتجال ما يعتبره وَحْيًا من الروح القدس، يبدو لاوون أقرب إلى المدرسة التنظيمية والانضباطية التي تعطي أهمية للبُعد المؤسسي، صقلت شخصيته دراسة الرياضيات والحق الكنسي والفلسفة واللاهوت وتنوع خبرته بين أميركا الشمالية والجنوبية والفاتيكان.
تحديات المرحلة
تواجه حبريّة لاوون الرابع عشر جملة من القضايا الملحة ومنها:
إدارة ملف الاعتداءات الجنسية داخل الكنيسة وما يتطلبه من شفافية وشجاعة.
الموقف من الحروب، لا سيما في أوكرانيا وغزة.
العلاقة مع الصين وما يرافقها من قلق على الحريات الدينية.
استمرار الحوار بين الأديان، والتقارب مع الإسلام.
ضبط الاختلاف في التوجهات اللاهوتية داخل الكنيسة، لا سيما بين شمال العالم وجنوبه.
أميركي في كرسي بطرس: الفرص والتحديات
كون البابا الجديد أميركياً يشكّل سابقة تاريخية ذات رمزية خاصة. فهي المرة الأولى التي يأتي فيها البابا من بلد يتزعم العالم الغربي. هذا الانتماء يعطيه فهماً عميقاً لتحولات الحضارة المعاصرة، لكنه في الوقت ذاته يضعه أمام تحدي إثبات استقلاليته عن السياسات الأميركية والدفاع عن هوية عالمية للكنيسة لا ترتبط بجغرافيا واحدة.
البابا وترمب: تقاطعات واختلافات
من الطبيعي أن تُطرح مقارنات بين لاوون الرابع عشر والرئيس الأميركي دونالد ترمب، وخصوصاً أن كليهما أميركيان ويلقيان صدى واسعاً في البيئات الكاثوليكية. لكن الفروقات عميقة: فالبابا لاوون، مثل سلفه فرنسيس، يتمسك بمواقف إنسانية واضحة في ملف الهجرة، ويرى فيها واجباً مسيحياً وليس خطراً أمنياً. كما أن رؤيته للعالم تنبع من منطق شمولي جامع، لا منطق سيادة قومية أو مصلحة وطنية ضيقة. ومع ذلك، قد يتقاطع مع ترمب في بعض المواقف المحافظة اجتماعياً، مثل الدفاع عن العائلة أو الموقف من بعض التيارات الليبرالية الراديكالية.
البابا لاوون الرابع عشر ليس نسخة عن سلفه، ولا قطيعة معه. إنه ثمرة مرحلة انتقالية في الكنيسة الكاثوليكية، يلتقي فيه الماضي بالحاضر، واللاهوت بالواقع، والانفتاح بالتقليد. يبقى الحكم عليه رهناً بالأفعال لا بالأسماء، لكنه حتى اللحظة، يبدو مُصمماً على أن يكون بابا الجسور لا الجدران.
0 تعليق