اتفاق 17 أيار 1983 يدغدغ أوهام الحالمين بالتطبيع مع الاحتلال

قناة المنار 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
اتفاق 17 أيار 1983 يدغدغ أوهام الحالمين بالتطبيع مع الاحتلال, اليوم السبت 17 مايو 2025 08:52 مساءً

في مثل هذا اليوم من عام 1983، وقّع بعض المسؤولين اللبنانيين اتفاق 17 أيار مع العدو الإسرائيلي، في لحظة سياسية حرجة اعتقد فيها النظام الحاكم حينها أنه قادر على فرض اتفاقية وصفت بالذل والاستسلام، مستنداً إلى الاحتلال الإسرائيلي لجزء كبير من الأراضي اللبنانية، والدعم الأميركي السياسي والعسكري المطلق لتل أبيب.

غير أن هذا الاتفاق لم يصمد طويلاً. فسرعان ما قالت المقاومة، الشعبية والعسكرية، كلمتها الفصل: لا للاحتلال، لا للتطبيع، ولا لأي تسوية تُفرض بالإكراه وتُمرّر بالإملاء. وبفعل هذه الإرادة، سقط الاتفاق المشؤوم، وسُجّل في التاريخ كمحطة هزيمة للمشروع الإسرائيلي في لبنان.

ورغم مرور أكثر من أربعة عقود، لا تزال بعض الأصوات في لبنان تروّج لنهج الاستسلام، محاولةً إحياء أوهام الالتحاق بركب التطبيع، وتقديم الولايات المتحدة وإسرائيل كقدر لا مفرّ منه، متناسيةً أن تجارب الماضي القريب أثبتت عكس ذلك.

لقد أسقطت الإرادة المقاومة والموقف الوطني الصلب اتفاق الذل مع العدو الصهيوني، وكانت شوارع بيروت وأحياؤها، ولا سيما في الضاحية الجنوبية، شاهدةً على المواجهة البطولية التي خاضها أبناء الشعب اللبناني بلحمهم الحيّ وبإمكاناتهم المحدودة، ما أجبر الاحتلال على الانسحاب من العاصمة نحو الجنوب، لتتواصل بعدها مسيرة المقاومة حتى التحرير، ولا تزال مستمرة حتى اليوم.

“اتفاقية 17 أيار”… لا مكان للعملاء

في 17 أيار/مايو 1983، كان من المقرّر أن يكون لبنان الدولة العربية الثانية، بعد مصر (التي وقّعت اتفاقية كامب ديفيد في 17 أيلول/سبتمبر 1978)، التي تُبرم اتفاقية تطبيع مع كيان العدو الإسرائيلي. يا للمفارقة! إنه لبنان نفسه، وبعد سبعة عشر عاماً فقط، بات الدولة العربية الوحيدة التي حققت انتصاراً غير مشروط على الاحتلال الإسرائيلي في عام 2000. فماذا جرى بين التاريخين؟ لا شك أن أحداثاً وتحولات كبرى دفعت بلبنان من مرحلة الخنوع والاستسلام، التي عُرفت آنذاك بـ”الزمن الإسرائيلي”، إلى مرحلة الانتصار و”زمن المقاومة”.

وبحسب مطّلعين على تلك المرحلة، فإن “اتفاق 17 أيار كان بمثابة إعادة رسم للميثاق الوطني والدستور اللبناني، إذ شكّل خروجًا شبه رسمي للبنان من الجامعة العربية، وتجاوز في مضمونه اتفاق السلام المصري-الإسرائيلي بكثير”.

ورغم أن أركان الدولة حينها، أي رؤساء الجمهورية (أمين الجميل)، والحكومة (شفيق الوزان)، ومجلس النواب (كامل الأسعد)، أقرّوا الاتفاقية وفتحوا الباب أمام مرحلة سياسية واجتماعية وثقافية جديدة للبنان، إلا أن جزءًا واسعًا من البيئة الشعبية أدرك مبكرًا خطورة المسار الذي يُراد فرضه، فأسقط المشروع برمّته. وهي البيئة نفسها التي لم تكتفِ بإسقاط الاتفاق، بل واصلت طريق المقاومة حتى هذه اللحظة، ليصبح لبنان اليوم مصدر التهديد الأكبر لأمن “إسرائيل” ووجودها.

هذا الرفض الشعبي لاتفاق التطبيع عكسه النائب السابق نجاح واكيم، أحد النواب الذين صوّتوا ضد الاتفاق، حين قال إن “المفاوضات لم تجرِ بين لبنان و(إسرائيل)، بل بين الوفد الإسرائيلي والوفد الأميركي. أما الوفد اللبناني، فكان بعض أعضائه موظفين لدى المخابرات الأميركية، ولم يُعتمد في تشكيله أي تمثيل وطني”. ما يعني أن الوفد لم يكن شرعيًا ولا معبّرًا عن الأطياف اللبنانية كافة، وبالتالي لم يكن يفاوض باسم الشعب اللبناني.

اتفاق 17 ايار ابرز البنود

وبالفعل، لم ينتظر جزء كبير من اللبنانيين أن يُستفتوا على تغيير هوية وطنهم وموقعه من الصراع العربي الإسرائيلي. فهؤلاء، الذين كانوا يشكّلون نواة المقاومة في وجه الاحتلال الذي وصل في حزيران/يونيو 1982 إلى بيروت، رأوا أن اللحظة لا تحتمل التريث أو التراجع.

نزلوا إلى الشارع وصرخوا بـ”لا” مدوية من أجل هوية الوطن وأبنائهم والأجيال المقبلة. فكان ردّ الرئيس أمين الجميل، الذي جاء إلى الحكم خلفًا لشقيقه بشير الجميل (المنتخب بدعم وضغط إسرائيلي وأميركي واغتيل بعد انتخابه بشهر تقريبًا)، أن حاول سحق الاعتراض الشعبي، فحرّك وحدات من الجيش اللبناني لتطويق جامع بئر العبد في الضاحية الجنوبية حيث كانت تخرج المظاهرات، وخلال الاشتباك سقط الشهيد محمد نجدي.

لاحقًا، تصاعد الغضب الشعبي واتسعت رقعة المقاومة، خصوصًا بعد تدخل ميليشيات الكتائب واعتدائها على قوى المقاومة، ما فجّر انتفاضة 6 شباط/فبراير التي أدّت إلى إسقاط “اتفاقية 17 أيار” وإسقاط طموحات الجميل السياسية.

كانت تلك الانتفاضة بداية “الزمن الجميل” الذي أوصل لبنان إلى يوم الخامس والعشرين من أيار/مايو 2000، ثم إلى تموز/يوليو 2006، وسلسلة من المحطات الوطنية المشرّفة.

وفي ذكرى توقيع “اتفاق الاستسلام”، لا يزال هناك من يحلم بالعودة إلى تلك المرحلة السوداء، لكنّه حلم خبيث لا مكان له في لبنان. فـ”لا مكان للعملاء”.

المصدر: موقع المنار

أخبار ذات صلة

0 تعليق