الفيتو والمرآة السوداء

أخبارنا 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الفيتو والمرآة السوداء, اليوم الجمعة 27 يونيو 2025 08:48 مساءً

في إحدى زوايا هذا الكون المنسي، على مشارف صحراء التاريخ، تنتصب مرآة سوداء لا تعكس الوجوه، بل تمتصها.

يطلقون عليها في الدوائر العليا اسمًا مشفّرًا: "الفيتو".

لكن في اللغة السرية للفلاسفة، تُسمّى: كفّ العدالة المقطوعة، أو عين العمى المقدّس.

هنا لا نتحدث عن قانون، بل عن طيفٍ بارد يتسلل كلما اقترب شعبٌ من حريته، فيهمس في أذن العالم:

" ليس الآن... ليس بعد... ربما مرة أخرى ..لا تستحق الحياة."

الفيتو ككائن ميتافيزيقي:

تخيلوا معي الفيتو، لا كوثيقة رسمية، بل ككائن خرافي يتغذى من الدم.

يعيش في برجٍ مشيّد من خرائط استعمارية، تغلّفه أضلاع الأمم المتحدة، وتدفّئه عظام الأطفال الفلسطينيين.

له عين واحدة، لا ترى إلا مصالحه، ولسان يتحدث بلغة خشبية تحرق المعنى:

"الأمن، التوازن، الواقعية السياسية..."

لكن الحقيقة المخيفة أن الفيتو ليس أداة، بل عقيدة، ليست بندًا قانونيًا، بل لاهوتًا جديدًا للسلطة.

كل مرة يُرفع فيها، يُغتال حق، ويُنسف زمن، ويُسَجَّل انتصار جديد للصمت.

فلسطين كأثر وجودي في الزمن المكسور:

فلسطين، في هذا السياق، ليست جغرافيا محتلة، بل زمن مُغتال،

هي المسافة بين "ما يجب أن يكون" و"ما يُمنع أن يكون".

هي طفلة في حضن أمها في غزة،

هي رجل يزرع زيتونًا على حدود الحلم،

هي أنقاض بيتٍ كان يعلّق صورة جدٍّ مات قبل أن يعرف الفيتو ماذا يعني التاريخ.

فلسطين ليست ضحية فقط، بل مرآة الوجود الحيّ في وجه التوحّش الميت..

الشرعية كقناع موت:

الشرعية؟

اسم جميل يُعلّقونه فوق مذابح الأمم.

لكنهم لم يخبرونا أن الشرعية يمكن أن تُغتال إذا خالفت المصالح.

هكذا يصبح القانون: عكازًا أعمى بيد جلاد يرى كل شيء إلا الضحية.

   تُعلّق القوانين لتُمارَس السلطة بلا رادع.

لكن الفيتو الأمريكي هو "استثناء مُقَنن"، قانون يُعلّق العدالة باسم القانون..

الفيتو كإلغاء للمعنى:

كلما رُفِع الفيتو، ينهار جزء من اللغة.

تصبح الكلمات رمادًا:

"حقوق الإنسان"؟ وهم.

"المجتمع الدولي"؟ شبح.

"السلام"؟ مسرحية طويلة ومملة تُكتب في واشنطن وتُبث من تل أبيب.

وحدها فلسطين تتكلم الحقيقة بلغة الجسد، بالصمود، بالدم، بالحجر الذي يكتب على وجه الزمن:

"أنا لست مشهدًا عابرًا في نشرة أخبار،

بل جرح العالم المفتوح،

وضميره المستتر،

وسؤال الفلسفة الذي لا يُجاب."

خاتمة من أعماق اللاوعي:

الفيتو ليس قرارًا، إنه أسطورة مُرّة في كتاب التاريخ،

سيفٌ غير مرئي يُقطع به لسان الأمل كلما نطق.

لكنه، رغم هيبته الورقية، لا يستطيع أن يقتل الحلم الفلسطيني،

لأن هذا الحلم ليس من هذا العالم فقط.

إنه يُحاك في يقظة الشهداء،

ويُسقى من دمع الأمهات،

ويُحمَل على أكتاف أطفال يعرفون أن العدل لا يُمنح، بل يُنتزع.

الفيتو، حين يحمي الاحتلال، لا يمنع فقط قرارًا في مجلس الأمن، بل يُشرعن الجريمة، ويصادر الحق، ويخنق الأمل. إن مقاومة هذا الفيتو لا تكون فقط بدبلوماسية بديلة، بل بفلسفة جديدة للعدالة، وببناء وعي لا يخضع لإملاءات الأقوياء. فلسطين ليست ضحية فقط، بل نقطة اختبار للمبدأ، ونقطة البداية لإعادة بناء الضمير العالمي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق